بأقلام الشباببأقلام الشباب

الشباب العراقي .. واقع وطموح

الشباب العراقي .. واقع وطموح

الشباب العراقي .. واقع وطموح

 بقلم: حيدر السلامي

رئيس قسم اعلام العتبة الحسينية المقدسة

تعد شريحة الشباب من أهم الشرائح الاجتماعية لأنها ببساطة تمثل أمل الشعوب ومستقبلها الذي تترقبه وتعول عليه في رسم خارطة النجاح لكل مشاريع البناء والتقدم الحضاري. ولقد عاش الشباب العربي عموما والعراقي بوجه خاص ولمدة طويلة، ظروفاً أبعدته عن المطامح والآمال العريضة بل أصبح نتيجة لتلك الظروف القهرية مسلوب الهوية ضعيف الكيان لا يفكر إلا بطريقة جديدة لإلهاء وقته وإشغال نفسه في ملذات وقتية لا طائل تحتها حتى انغمس شيئا فشيئا في واقع هو غير واقعه وسعى وراء أهداف ليست أهدافه وتحمل أعباء قضية ليست قضيته فإذا به يجبر على لعب أدوار أكبر منه وتقمص شخصية لا يليق لها ولا تليق به.

فالدمار الذي خلفته الحروب الكارثية التي جرت على أرض الوطن ومن قبلها السياسات التهميشية للأنظمة الشمولية المتعاقبة وتحول قضية الولاء من الوطنية إلى الشخصانية التأليهية وغيرها من الأوضاع السياسية الفاسدة جعلت من الشباب العراقي عاجزاً عن التعبير الذاتي فضلا عن العمل الوطني وتعزيز المكانة الاجتماعية بين بقية الشرائح.

وبالإضافة إلى العامل السياسي وأثره الواضح على الشباب خصوصا والمجتمع عموما فإن عوامل أخرى تدخلت وأسهمت بشكل كبير في صياغة شخصية الشاب العراقي وإن وقعت على الامتداد الطولي للثابت والمتحول السياسي وكنتيجة طبيعية للحدث السياسي. ومن تلك العوامل: التدهور الاقتصادي الذي طلع برأسه إثر سني الحصار وتفشي البطالة وانعدام فرص العمل بسبب الفساد الإداري والمالي الذي ضرب بجذوره في عمق المؤسسات الحكومية.

وكردة فعل طبيعية إزاء هذه الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية برز العامل الاجتماعي بصورة لافتة لا تقل فظاعة عن سائر العوامل ما جعل الشاب العراقي يعيش حالة الانزواء والانعزال والتهرب من المسؤولية الاجتماعية. ثم لا ننسى ما لظاهرة العسكرة التي كرسها النظام البائد ومن بعده الاحتلال الذي فتح إثر ذلك ملف الإرهاب من آثار وخيمة تركت بصماتها واضحة في جميع ميول واتجاهات ورؤى الشباب العراقي ما دفع به إلى الاندماج بالحالة العسكرية من كل جوانبها والانفكاك القسري عن الحياة المدنية الناعمة الرغيدة وبروز الرغبة العارمة لدى الشاب والجنوح نحو السلوك العسكري البوليسي في جميع مناحي حياته وهذا ما يفسر توجه الآلاف من الشباب إلى التطوع في سلك الجيش والشرطة وسائر القوات الأمنية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أثر الثقافة العسكرية التي سادت بفعل الأحداث العسكرية العنيفة الجارية على أرض الواقع من جهة ومن جهة أخرى بسبب الإعلام المواكب لتلك الأحداث والاستيراد غير الواعي أو المدبر للقيم العسكرية ومظاهر العنف التي سيطرت كلياً على المشهد اليومي للمواطن العراقي عبر وسائل الإعلام وخاصة السينما الأمريكية التي لم تدع منفذا إلا وسلكته وصولا إلى الضمير الجمعي العراقي ابتداءً من أفلام الكارتون مرورا بالبرامج المباشرة وانتهاء بالأفلام السريعة الحركة أو الأكشن الحديثة.

إننا أمام واقع يعيشه الشباب العراقي اليوم ينبغي أن يعيه ويفهمه لكي يقوى على مواجهته وتغييره نحو الأحسن ولأجل الوصول إلى هذه الغاية الوطنية السامية لابد أن إجراء الدراسات والأبحاث العميقة والميدانية وتوثيق الحالات وتحليل المواقف ونشر النتائج كما هي ووضعها بين أيدي المسؤولين والمعنيين والشباب أنفسهم ليمسكوا بزمام الأمور ويسيروا في ضوء المعطيات الواقعية والتوصيف الحقيقي لكل ظاهرة شبابية وتحديد طرائق العلاج ووسائله الناجعة. وفي هذا البحث المتواضع سأؤشر على أهم المشكلات التي يعاني منها الشباب العراقي وأقترح بعض الحلول التي أراها مناسبة من وجهة نظري الشخصية أو من وجهة نظر المتخصصين والمهتمين في القطاعات الشبابية الذين حاورتهم حول الموضوع قبل شروعي بالكتابة.

العزوف عن الدراسة

من المشكلات الكبرى التي تواجه الشباب العراقي في هذه المرحلة مشكلة العزوف عن الدراسة سواء الابتدائية أو الثانوية أو الجامعية. وبرغم محاولات الحكومة الكثيرة لتفاديها أو التقليل من حدتها، ما زالت هذه المشكلة تتفاقم وما زالت تعرّض مستقبل الشباب إلى الخطر، فهي تدفعهم للبطالة وللتسكّع، واقتراف الجرائم والممارسات السلوكية المنحرفة، خاصة في غياب التوجيه الأسري والرعاية الاجتماعية وفقدان الأثر التربوي في معظم المؤسسات والهيئات الاجتماعية الحكومية والأهلية.

ولهذه المشكلة أسباب نفسية واجتماعية واقتصادية وربما صحية أيضا كما أن للتشرد الناشئ من الاضطهاد السياسي وعدم استقرار الوضع الأمني مدخلية في ترك الدراسة وانتشار الأمية بنوعيها الأبجدية والحضارية بين فئة الشباب.

إن الطالب الذي يعيش مشكلة نفسية، سببها الأسرة مثلا وسوء تعامل الأبوين، أو المشاجرات العائلية المستمرة بينهما، أو حالات الطلاق التي تؤدي إلى ضياع الأبناء، وتشرّدهم، أو تقصير الآباء وعدم رعايتهم لأبنائهم، وإهمال حثّهم وتشجيعهم، وعدم توفير الظروف اللازمة لمواصلة الدراسة وأمثال هذه الظروف تدفع بالكثير من الطلبة إلى ترك الدراسة وانتفاء الرغبة في مواصلة مشوار التعليم إلى نهايته.

كما أن انصراف ذهن الطالب عن الدراسة، وارتباطه بأصدقاء السوء، أو أصدقاء فاشلين يدفعونه نحو اللهو واللعب والعبث، وربما بعض الممارسات السيئة أسباب أخرى من شأنها أن تؤدي بالطالب إلى مغادرة مقعد الدرس في وقت مبكر، وبالتالي تدمير مستقبله.

ولعل الفقر من الأسباب القوية جداً لترك الدراسة، بصورة اضطرارية، أو التوقف عن إكمالها، فالعائلة الفقيرة لا تستطيع أن تُوفّر النفقات اللازمة لدراسة الأبناء، مما يضطر الطالب إلى ترك الدراسة في فترات مبكرة، وهو لمّا يستوفِ القسط الكافي منها، ليتوجه إلى العمل، وكسب لقمة العيش المرير.

إن هذه المشكلة المتعاظمة تحتاج إلى بحث جاد وسعي حثيث تبذله الدولة بالتعاون مع قطاعات المجتمع ذات العلاقة والأسرة باعتبارها اللبنة الأولى والأساس في البناء الاجتماعي بغية الوصول إلى حلول حقيقية لها.

فإن الفرد الذي لا يملك القسط الوافر من التعليم والمعرفة التي يحتاج إليها في الحياة، هو جاهل يضر نفسه ومجتمعه، ولا يمكنه أن يساهم في بناء حياته أو مجتمعه بالشكل المرجو من الإنسان في هذا العصر.

فالأبوان الجاهلان لا يعرفان كيف يربيان أبناءهما، والزوجة الجاهلة لا تعرف كيف تتعامل مع زوجها والفلاّح الجاهل لا يعرف كيف يستخدم طرق الزراعة الحديثة وأساليبها، وصاحب الثروة الجاهل لا يعرف كيف يوظف ثروته بما يخدم المشاريع التنموية والاستثمارية ذات المردود العالي.

وهكذا ينسحب أثر الجهل في كل حقل من حقول الحياة. وليس هذا حسب، بل إن الجهل هو مصدر الشرور والتخّلف، والسبب الرئيس لتفشي الجريمة في المجتمع. لأن المجتمع الجاهل، لا يمكنه أن يمارس عمليات التنمية والتطور، والخلاص من التخّلف، والتغّلب على مشاكله المختلفة.

والشباب الأمي، أو الذي لم يستوفِ القدر الكافي من المعرفة والثقافة، وكذا الذي لا يملك التأهيل العملي، كالحرفة والمهنة، لا يمكنه أن يؤدي دوره الاجتماعي المنوط به، أو يخدم نفسه وأسرته بالشكل المطلوب. وتفيد الدراسات والإحصاءات، أنّ الأمية والجهل، وقلة الوعي والثقافة، هي أسباب رئيسة في مشاكل المراهقين والشباب.

تدني المستوى التعليمي

لا شك أن أحد أسباب المشكلة الأولى وهي ترك الدراسة هو تدهور المستوى التعليمي إذ تشتكي العديد من إدارات التعليم على اختلاف مستوياتها من تدني مستوى الطلبة وعدم تمتعهم بمؤهلات وقدرات تتناسب والمراحل التي يدرسون فيها.

ولو استعرضنا آراء القائمين على العملية التعليمية لتوصلنا إلى مكامن الخلل والخطأ وعوامل تدني المستوى التعليمي وهي تتلخص بالنقاط التالية:

أ ـ تخلف المناهج التعليمية عن الركب العالمي وتقادمها ومجافاتها للواقع التقدمي المنفتح على التجارب الدولية الناجحة واعتماد العملية التعليمية على الطريقة التقليدية الكلاسيكية التي أكل الدهر عليها وشرب.

ب ـ عدم الاستفادة الكبيرة من ثمار الثورة التكنولوجية العالمية والاتصالات الحديثة الهائلة وما يعرف بالوسائط المتعددة والفائقة والبرامج التعليمية التفاعلية، إلا النزر اليسير وعلى مستوى ضيق ومحدود في بعض المراحل الدراسية دون سواها، الأمر الذي أشاع أمية حضارية واسعة النطاق وبالطبع كان الشباب أول المتضررين منها.

ج ـ انعدام الأمل في الحصول على فرص العمل والتعيين في دوائر الدولة بعد التخرج في وقت تعاني العائلة العراقية من ضعف الإيرادات المالية إلى جانب تضاعف المتطلبات المعيشية بل ما تزال العديد من العوائل تعيش تحت خط الفقر أو تتكسب عن طريق مشاريع البطالة المقنعة.

 

د ـ ضعف الخبرة التعليمية لدى المعلم العراقي وعدم اطلاعه ومعرفته بأساليب التعليم والتدريس الحديثة التي وصل إليها العالم. فما يزال المعلم العراقي يعتمد الطرائق التدريسية القديمة. وكثير من المعلمين لم يدخلوا دورات تطور قابلياتهم وتعزز قدراتهم على إدامة التواصل المنتج وتقوية عوامل الاستيحاء التي ترتكز عليها العملية التعليمية في الغالب.

هـ ـ البنايات المتهالكة والأثاث القديم والافتقار إلى المختبرات والقاعات والساحات الكبيرة لممارسة مختلف النشاطات والفعاليات المدرسية.

و ـ تأنيث التعليم الذي ساهم برأي متخصصين في إيجاد معلمات غير قادرات على التدريس خاصة خريجات الدورات السريعة والمعروف أن انشغال المرأة ومسؤوليتها البيتية وحالات الحمل والولادة وأمثالها له أثر قوي على الممارسة التعليمية وقد أدى إلى انقطاع حلقاتها في كثير من الأحيان.

ز ـ عدم استقرار الملاك التعليمي وعدم توزيعه بشكل يتناسب والحاجات الحقيقية للمدارس فهناك مدارس تعاني من شواغر وأخرى مكتظة، والتنقلات تحصل أحيانا في أوقات غير مناسبة ولا تخضع لأولويات أو معايير وأسس منطقية بل تلعب الوساطة والمحسوبية والمنسوبية دوراً كبيراً فيها.

ح ـ إهمال العائلة وعدم متابعتها لابنها التلميذ وفقدان حلقة الوصل بين الأسرة والمدرسة بسبب الانهماك في تحصيل لقمة العيش وتدبير شؤون الحياة اليومية.

ط ـ النفسية المتعبة للطالب بسبب التفكير الدائم في المسألة الأمنية فهو يفكر بمصير والده وأسرته وبيته باستمرار.

ي ـ غياب الجانب الترفيهي من العملية التعليمية وإلغاء السفرات المدرسية وعدم وجود نظام تغذية منظم يساعد الطالب على قضاء دوامه الطويل الذي يمتد من الساعة الثامنة صباحا إلى الثانية بعد الظهر، لذلك فالطالب يشعر بالإرهاق المستمر.

ك ـ شيوع التدريس الخصوصي ما يدفع الطالب إلى الاتكال على المدرس الخصوصي وعدم اعتماده على نفسه في تحضير الدروس وفهم مطالبها العلمية.

لذلك كله لابد من إعادة النظر بالأفكار القديمة التي تسيطر على عملية التعليم في العراق وتغيير النظرة إليها كمسلمّات لا تقبل النقاش، مع تقديم الأولويات في المعالجة.

ظاهرة العسكرة

لا شك في أن الحياة العسكرية تتميز بالخشونة والتعامل العنيف مع الأشياء والأشخاص من حولنا مهما كانت درجة قربهم منا. ولقد ظهرت مشكلة العسكرة الاجتماعية منذ زمن بعيد وأصبحت السمة الغالبة على حياة العراقيين ومنهم الشباب.

السبب في ذلك يعود إلى السياسة المتعمدة التي انتهجها النظام البائد. فقد سعى بكل جهده إلى عسكرة المجتمع والتعبئة الشاملة لخدمة أهدافه التوسعية في المنطقة وجعل من الشباب مشاريع انتحارية وقنابل موقوتة يتم استغلالها حال زجهم في أتون حروبه مع دول الجوار.

وانسحبت هذه الحالة إلى ما بعد سقوط الصنم ودخول قوات الاحتلال وبروز الجماعات المسلحة على مسرح الحياة العراقية في إطار ظاهرة الإرهاب.

هذا اللون من التفكير والسلوك صبغ الحياة العراقية كلياً بالصبغة العسكرية وما تزال ماثلة للعيان مظاهر العسكرة الاجتماعية من خلال تعدد المنشآت العسكرية وانتشارها المتزايد في داخل الأحياء السكنية وبين المحال والمرافق العامة ولعل رؤية الحواجز الكونكريتية ونقاط التفتيش وأجهزة الكشف عن المتفجرات فضلاً عن المدرعات والآليات العسكرية التي تجوب الشوارع والأمكنة ليل نهار.

إن تكرر هذه المناظر بصورة يومية جعل منها أمراً اعتياديا وطبع الحياة بالطابع العسكري أصبحت مألوفة إلى حد كبير وبذلك أصبح للشباب مسوغ للميل نحو استخدام القوة وإثارة العنف للتعاطي مع أي قضية تواجهه من أي نوع كانت ودفعت بالأعداد الهائلة منهم للتطوع والخدمة في سلك الشرطة والجيش وباقي الأجهزة الأمنية. وبعد أن كانت الدولة بحاجة إلى انخراط العديد من الشباب العراقي في أجهزتها الأمنية بغية بسط الاستقرار في المناطق المتوترة وفرض النظام، أصبح اليوم العدد المرعب لهؤلاء يشكل عبئاً ثقيلا تنوء الدولة به لأن تنسيبهم إلى الأجهزة الأمنية لم يكن قد خضع للتخطيط وإنما جاء استجابة لحاجة آنية ومطلب عاجل. ومع التحسن النسبي على صعيد الأمن أخذت تبرز مشكلة أخرى سببها الأعداد الكبيرة من الشباب العاطلين عن العمل العازفين عن الدراسة المتأثرين بالحياة العسكرية.

وكمثال على ذلك يوجد في النجف الأشرف – بحسب تقارير صحفية ـ أكثر من(18000) ثمانية عشر ألف شرطي ومنتسب للقوى الأمنية. علماً أن تعداد سكان المحافظة لا يتجاوز(965000) نسمة. فهل يمكن لهذا العدد أن يتقلص ويعود الشباب العراقي إلى مواقعهم الصحيحة في مدينة تعد مستقرة أمنياً؟

إن للظروف الأمنية أثرها السلبي في تكوين شخصية الشاب, فمن سنوات الحروب والدمار والخوف ورائحة الدماء وعويل النساء وصراخ الأطفال وسنوات الحصار والجوع والهجرة وما رافقها من مآسٍٍ وإحباط لدى أغلب العراقيين لفقدان الأمن والاستقرار والخوف من سطوة المسلحين في كل مكان والهجرة الجماعية داخل الوطن وخارجه بالإضافة إلى شيوع ثقافة العنف المستوردة كلها أسهمت بشكل وآخر في صياغة الشخصية العسكرية للشباب العراقي.

وبرأيي أن الحل الجاد لهذه المشكلة يتم أولاً بإزالة مظاهر العسكرة المنتشرة في كل مكان من هذا البلد وإعادة بث الروح المدنية مجددا. وأما ذريعة وجود التهديدات والمخاطر الأمنية فيمكن السيطرة عليها بإيجاد آليات متطورة من خلال تفعيل العمل الاستخباراتي وتنشيط الدور المعلوماتي وتحديث الأجهزة والوسائل والأدوات الكاشفة عن الجريمة والتقليل من نقاط التفتيش المثيرة للرعب والاستهجان وتعويضها بالنقاط المركزية على الطرق والمداخل الخارجية وإقامة الحواجز الطيارة أو السيارة الطارئة عند ورود أية معلومة أو خبر يفيد بوجود خطر ما والأفضل أن تكون العناصر الأمنية العاملة في هذه المجالات مدنية بمعنى الكلمة أي في زيها وفي كلامها وسلوكها مع المواطنين ويتم كل ذلك وفق خطط ودورات أمنية رصينة يضعها متخصصون أكفاء.

والأهم من هذه كلها نشر ثقافة التمدن بين صفوف المواطنين عبر التعاون بين وزارة الثقافة ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي وبين الوزارات والدوائر ذات العلاقة الأخرى واستثمار وسائل الإعلام الوطنية للبدء بحملات توعوية واسعة النطاق.

إننا لا ندعي أن المسألة بسيطة ولكن التحرك السريع لحلها خير من وقوفنا مكتوفي الأيدي وأفضل من تعويلنا على الشركات الأجنبية والخبرات المستوردة بأثمان باهظة والنتيجة غير مأمونة نظراً لاختلاف البنية الاجتماعية العراقية عن غيرها من جهة وعدم معرفة تلك الخبرات المستوردة بخصوصيات هذا الشعب العريق ما يجعل الأفكار الجاهزة والتجارب المستنسخة غير صالحة للتطبيق في بلادنا.

دور المؤسسات الشبابية

إن بإمكان المؤسسات الحاضنة للشباب أن تلعب الدور الأكبر في توجيههم وإعادة تأهيلهم وتطوير قدراتهم وتنميتها بما يخدم الوطن وينسجم مع الصالح العام.

فبرامج التثقيف المستمرة وشغل الفراغ بإقامة الفعاليات والأنشطة الشبابية المبنية على أسس علمية ومعالجات واقعية من شأنها أن تنتشل الشباب من حالة الضياع وتعيد إليه هويته وترسم له طريقه وتحدد موقعه على خارطة العمل الوطني.

شبابنا اليوم يحتاج إلى حالة من رد الاعتبار والاعتراف به كفرد مؤثر ضمن النسيج الاجتماعي العام. وما مظاهر الميوعة واللهاث وراء الموضة في الأزياء وقصات الشعر والماكياج إلى جانب التمظهر العسكري واليأس من المستقبل وأحيانا الوقوع في هاوية الجريمة بل الانضمام إلى الجماعات الإرهابية والتطرف الديني، ما هذه وغيرها إلا تعبير واضح وصريح عن الإحساس بالمعاناة والتغرب والوحدة والانفصال عن الأهداف الحقيقية والانخداع بالمظاهر الغريبة عن المجتمع بل إنها صرخات تمرد واعتراضات على صمت المجتمع ولا مبالاته بهموم الشباب تنطلق لتلفت الانتباه إلى شريحة كبيرة باتت تعيش العزلة في زاوية اليأس أو السير في طريق المجهول.

المأمول من الدولة العراقية أن تعي المرحلة وتتفهم مطالبها وعليها أن تكرس الاهتمام بفئة الشباب وتنهض بهم لأنهم عماد المستقبل ولذا ينبغي العمل على تطوير المؤسسات الشبابية الحكومية وغير الحكومية وتزويدها بأحدث اللوازم وتمكينها للقيام بمهامها الجسيمة من خلال توفير البنايات والساحات الرياضية والقاعات الفنية والمسارح والمختبرات وجميع المستلزمات الأخرى لتنشئة الشباب تنشئة صحيحة تخدم الأهداف الوطنية الكبيرة وتحول دون انفلاتهم وضياعهم في غياهب السجون والمعتقلات أو التشرد في الطرقات أو الوقوع ضحية للإرهاب.

 

دور الإعلام

لا يخفى على أحد أهمية الدور الذي تلعبه أجهزة ووسائل الأعلام المرئية والسمعية والمقروءة في صناعة الرأي العام وتوجيه الناس ورسم الأنماط السلوكية لهم والتأثير في صناعة القرار السياسي بل أبعد من ذلك.

فبإمكان الإعلام تغيير الخريطة السياسية في المنطقة إذا ما كان مؤمنا برسالته مدركاً لوظيفته. وذلك بفعل التطور المذهل والسريع في مجال الاتصال, والذي مكن الإعلام من امتلاك إمكانيات وقدرات عالية التأثير لم يكن يمتلكها قبل مدة غير طويلة من الزمن, وجعل له سلطة وقدرة لا يمكن الاستخفاف بها أو تجاهلها.

ومن المعلوم أن لكل إعلام أهدافه وأدواته ووسائله في التأثير والجذب والتغيير ومحاولة صنع رأي عام متناغم مع أهدافه, فالإعلام في النهاية يؤلف لصالح سياسات معينة, وغايات محددة, إذ لا يمكن أن نتصور أية وسيلة إعلامية من دون أن يكون لها أهداف واستراتيجية مرسومة، وإلا تحول إلى إعلام عدمي أو عبثي فوضوي.

ولعل أكبر شريحة تتأثر بالأعلام ووسائل الاتصال الحديثة هي شريحة الأطفال والمراهقين والشباب, وقد أكد الإمام علي (عليه السلام) هذه الحقيقة حين قال: (إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء إلا قبلته) ولذلك ليس من المستغرب أن نجد غالبية البرامج الإعلامية موجهة إلى الأطفال والمراهقين والشباب، لأن هذه الشرائح العمرية تتأثر وتنجرف بالسيل الإعلامي بسرعة فائقة.

لقد أسهم الإعلام الحديث في زيادة الفرص والإمكانات للحصول على المعرفة والعلم والترويح عن النفس والتسلية, وفي الوقت نفسه زيادة التحديات للقيم الدينية والأخلاقية والمعنوية فإذا علمنا أننا كمسلمين وعرب ما زلنا مستهلكين غير منتجين, مستقبلين غير مرسلين , متأثرين غير مؤثرين فإن تصور الخطورة سيكون مريعاً بلا شك.

إن نظرة خاطفة للدراسات الميدانية والإحصاءات التي أجريت مؤخراً تعطي كامل الصورة للتأثير الكبير الذي يحدثه الإعلام بوسائله وأساليبه الحديثة في الشباب. ففي لبنان مثلا سجل الدكتور اسكندر الديلة نتيجة إحصائية تخص مشاهدة الفيديو، جاء فيها: (أن مشاهدة الأفلام الاجتماعية والعاطفية حازت على الدرجة الأولى، وحلت الأفلام البوليسية في المرتبة الثانية….).

وأظهرت دراسة أجريت على 252 فتاة منحرفة بين سن 14 ـ 18 سنة أنَّ 25% منهن مارسن العلاقات الجنسية نتيجة مشاهدتهن مشاهد مثيرة في السينما. و41% منهن قادتهن المشاهد إلى الحفلات الصاخبة، والمسارح الليلية. و54% منهن هربن من المدرسة لمشاهدة الأفلام. و17% تركن المنازل لخلاف مع الأهل حول ذهابهن إلى السينما أو متابعة قنوات الأفلام.

وأفاد تقرير عن دراسة أجريت في الولايات المتحدة على 110 من نزلاء مؤسسة عقابية أن 49% من هذه المجموعة أعطتهم السينما الرغبة في حمل السلاح و 12 ـ 21% منهم أعطتهم السينما الرغبة في السرقة ومقاتلة الشرطة.

وفي انكلترا تمكنت بعض الدراسات من خلال استجواب 1344 شخصية اختصاصية حول العلاقة بين السينما وانحراف الأولاد دون السادسة عشرة فأجاب 600 منهم بوجود علاقة بين انحراف الأحداث والسينما وبقية الوسائل الإعلامية.

وقال أحد القضاة الفرنسيين إنه «لا يخالجني أيّ تردد أن لبعض الأفلام، وخاصة الأفلام البوليسية المثيرة معظم الأثر الضار على غالبية حالات الانحراف لدى الأحداث».

كما أظهرت دراسات غربية أنَّ بعض السرقات الكبيرة كان الدافع إليها تردد الأحداث بشكل متكرر على قاعات السينما.

إذن فالإعلام والفن يساهم في تكوين الفكر السياسي والدعاية للشخصيات والأفكار، كما يساهم مساهمة فعالة، لاسيما الإعلام المصور، كالتلفزيون والسينما والفيديو والمجلة بالإغراء الجنسي، والتعريف بالأزياء والسلوك والأفكار والإثارة، وتوجيه الرأي العام. والشباب مهيأون أكثر من غيرهم، لتقمص الأدوار والتأثر بالشخصيات التي تظهر على شاشة التلفزيون، أو السينما، من الممثلين وعارضي الأزياء، ورجال العصابات، وشخصيات العنف… الخ.

كما يتأثرون بالشخصيات التي تمثل دور البطولة السياسية والاجتماعية والثورية وعظماء التاريخ، ذلك لان الشباب ـ من الإناث والذكور ـ في هذه المرحلة هم في طور تكوين الشخصية، وانتقاء المثال الذي يتأثرون به. وحيث أن الغرائز والمشاعر، لاسيما غريزة الجنس، هي في قمة القوة والعنفوان، والضغط على الشاب، وتبحث عن طريق للتعبير والتفريغ، فإن وسائل الإعلام ساهمت مساهمة فعالة في إثارة الغريزة الجنسية عن طريق الأفلام والصور الخليعة والماجنة والمغرية وعن طريق القصص الغرامية والأدب والثقافة المبتذلة.

وهنا يطرح السؤال: كيف يمكن مواجهة هذه التحديات الخطيرة التي يفرضها الإعلام الغربي بما يمتلكه من قدرات مذهلة وما السبيل لمواجهة ثقافة الصورة الشديدة التأثير؟ اللهم إلا بنفس الطريقة مع اختلاف المضمون والمحتوى.

إننا جميعا نتحدث وعلى الدوام عن الغزو الإعلامي والثقافي الغربي ونفوذه إلى بيوتنا وانعكاسه على أفكار شبابنا, ولكننا دائما نواجه بالسؤال التقليدي : ما البديل؟ فهل فكرنا بإيجاد البدائل وهل فكرنا بتحصين شبابنا ضد هذه الهجمات والحملات الدعائية للنمط الغربي بردة فعل مكافئة للفعل؟

إذا ما أردنا المحافظة على شبابنا فينبغي لنا أن نستفيد من الوسائل المتاحة لنا في تقوية إعلامنا بخلق البدائل. إذ ليس من المعقول أن تمنع الشاب من متابعة قناة فضائية تلامس مشاعره وتلبي احتياجاته النفسية وتناقش همومه اليومية وتتعرض لأدق التفاصيل التي يواجهها بإعلام كإعلامنا يتصف خطابه بالمثالية والتنظير الفائق وادعاء الكمال والتعالي على هموم الناس الحياتية.

بكلمة موجزة علينا أن نرتقي بمستوى إعلامنا ليكتسب القدرة على المواجهة فلا يكفي التنبيه على وجود الخطر وإنما يفترض المبادرة إلى صده هجمته وقلع جذوره.

إن إعلامنا اليوم يفتقد إلى الواقعية والمهنية ويتسم بالسطحية والهبوط في طرحه للمضامين وهو بهذا يكون تأثيره السلبي أكبر من الإيجابي وعلى رأي المثل العراقي الشعبي (إجه يكحلها عماها) وبهذه الحالة لا يمكن التعويل على هكذا إعلام في مهمة عظيمة كصياغة شخصية الجيل المعاصر.

العزلة الاجتماعية

العزلة الاجتماعية التي يعيشها الشباب العراقي في عصرنا تجعله بعيدا عن أهدافه وغاياته ومسؤولياته. فالشاب لا يشعر بقيمته في الجماعة إلا أن يقوم بعدة أدوار هي بالحقيقة مفروضة عليه فرضا كالاتصال بزملائه وأقرانه.

فالعزلة تولد الخوف والاكتئاب، فلا بد من تدعيم مكانته الاجتماعية وتعزيزها وسد حاجته إلى تبادل الأفكار والآراء مع الآخرين من خلال عملية الاتصال المستمر في حياته اليومية ممّا يفيده في اتخاذ قراراته المصيرية ويقدم له الاعتبار المطلوب لأن الانتماء للمجتمع يكسب الفرد سماته، وينمّي ويدعّم عنده عوامل التنشئة الاجتماعية.

وفي سبيل التغلب على مشكلة العزلة تبرز أهمية الإصغاء لأحاديث الشباب كأسلوب ناجح يساعد على تجسيد مبادراتهم ومشاريعهم ولا بأس باستشارة الأطباء والعلماء والمربين وسائر الخبراء المتخصصين في علم النفس وسائر العلوم الاجتماعية.

ونعود هنا للتأكيد على استثمار وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري والمباشر لأهمية دورها في تطوير عملية الإدماج الاجتماعي بالإضافة إلى الأنشطة والبرامج الترفيهية ذات المحتوى المؤثر والمدروس مع تصميم الحملات التوعوية والوقاية الموجهة لفئات الشباب باعتبارهم أكثر أفراد المجتمع حاجة إلى استثمار الوقت الحر، لذلك لابد من إيجاد وبرمجة أنشطة مفيدة ومسلّية في ذات الوقت.

وتعد بيوت الشباب، والمخيمات الصيفية من أبرز تلك البرامج ذات المردود القيمي العالي التي تهدف إلى توفير أماكن الترفيه وتنمية روح الاعتماد على النفس وتعوّد الحياة الجماعية والعمل على إقامة الصداقات الجديدة عن طريق الاحتكاك وتبادل الآراء والخبرات والتجارب لإثراء معلوماتهم وتكوينهم. فضلاً عن تمكين الشباب من اكتشاف المعالم الحضارية والسياحية والتاريخية التي تزخر بها البلاد وتعريفهم بأهم الإنجازات الوطنية على الصعيد الثقافي والاقتصادي والاجتماعي وغيرها.

خاتمة

إن عصرنا هو عصر الإعلام والمعلوماتية ولكن علينا أن نتذكر مقولة هيرودت : “علي أن انقل ما قيل لي، ولكن لا أراني ملزماً بتصديق كل ما قيل لي”. ولعلها جاءت بياناً جميلاً لمقولة سبق أن جاد بها أمير المؤمنين علي عليه السلام في نهج بلاغته إذ يقول: “لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قيل”. فالمصداقية هي السبيل الأمثل للوصول إلى شباب اليوم والتأثير فيهم ومعرفة متطلباتهم والتعرف إلى مشكلاتهم ومحاولة المشاركة في إيجاد الحلول المناسبة لها.

وإن معالجة قضايا الشباب يجب أن تنطلق من الشباب أنفسهم وتصب في مصلحتهم. وهذا ما يدعونا إلى ضرورة الإصغاء لهم والجلوس والتحاور معهم وعدم الاكتفاء بإلقاء التوجيهات والنصائح والخطب الرنانة وضرب الأمثلة البعيدة عن الواقع الحياتي. فلسنا نعيش في عالم (يوتوبي) مثالي يقوده الحكماء. ولسنا نملك عصا سحرية لنغير العالم بضربة واحدة. ولكن علينا دراسة الواقع الشبابي وتشخيص العلل والسعي المثابر لمعالجتها بروح تتحلى بالصبر والأناة والنظام والمسؤولية.

ولئن كنا نستشعر سلطة الإعلام وهيمنته في عصر التطور المعرفي والتكنولوجي من حيث سرعة انتقال المعلومة واتساع انتشارها وسهولة الاطلاع عليها وتحليل رموزها، فإن هذا بحد ذاته يشكل التحدي الأكبر أمامنا كمجتمع في تحصين الجيل الصاعد ضد المعلومة المشوهة للحقائق والمناقضة للقيم والعاملة على تشتيت الفكر وتشويش الرؤية، وفي نفس الوقت تشجيع الشباب على امتلاك التقنية الحديثة والتعامل معها بشكل ايجابي يغني المعرفة ويوسع المدارك ويشجع على احترام الآخر والتواصل معه، بما يسمح بالحوار البناء وتبادل الخبرات وتوضيح الرؤى المستقبلية وتحديد الأهداف الوطنية الكبرى.

ولكي يتحمل الشباب مسؤوليته في بناء المستقبل الزاهر يجب أن نساعده في الخروج من أزمته وعزلته الاجتماعية وتعويضه عن سني الحرمان والجهل والتخلف التي عاشها وإبعاده عن مظاهر العنف والتسلح والعسكرة الدائمة للفكر والسلوك.

ينبغي لنا أن نوسع المساحة التي يتحرك فيها الشباب ونشركهم في عمليات إعادة الترتيب للبيت الوطني الداخلي كما نساعدهم على استرجاع هويتهم المفقودة وأحلامهم الضائعة من خلال زجهم في مشاريع نهضوية تنموية حيوية.

ولا بد من إعادة الاعتبار وتدعيمه لدى الشباب وإشباع رغباته الاجتماعية وتنمية الحس النقدي الذي يساعده على اتخاذ الموقف اللازم من القضايا العامة ونشعره بأن له الحق في استنكار التناقضات والمفارقات وإعلانه حالة الرفض لبعض الرؤى والأفكار والمواقف فلا نبرمجه بالمسلمات ونطفئ فيه ملكة النقد. لأن من يفكر بشكل نقدي سليم يستطيع أن يوجه الأسئلة النقدية الصحيحة ويعبر عن آرائه ويقوم بتجميع المعلومات المتاحة والمطلوبة ويخرج باستنتاجات ومقترحات جيدة للحل على عكس الآخر الذي لا يمتلك الجرأة على نقد ما هو كائن والتفكير بإيجاد الأفضل.

وما هذه الدراسة المختصرة إلا خطوة قصيرة جداً على طريق طويل محفوف بالمتاعب والمشاق لا بد من قطعه وصولا إلى بناء قاعدة شبابية واعية تستطيع أن تكون بحق عماداً لمستقبل بلد حر متحضر متقدم، والله ولي التوفيق.

مصادر أفدت منها:

ـ الاتصال والعلاقات في مؤسسات الشباب، سيد هجيرة، الجزائر.

ـ جريدة إيلاف الإلكترونية ، تحقيق عن الواقع التعليمي في العراق.

ـ الشباب العراقي والإعلام المعاصر، محاضرة للكاتب في مؤسسة الشباب العراقي، كربلاء 2008م.

ـ ظاهرة اللعب في الإعلام الغربي، مقالة منشورة للكاتب في موقع كتابات 2005م.

ـ أحاديث خاصة مع إعلاميين وتربويين وتدريسيين في مؤسسات حكومية