عوامل النصر في ثورة الإمام الحسين عليه السلام .
لم يقدم لنا التأريخ درسا ماثلا للعيان على امتداد التجربة الانسانية مثل الدرس الذي تمخضت عنه ثورة الامام الحسين عليه السلام للبشرية جمعاء.
ولعلنا لن نأتي بجديد في قولنا ان العبرة التي يمكن للإنسان اينما كان استخلاصها من الفكر الحسيني تصطف بلا ادنى ريب الى جانب المستضغين الذين غالبا ما تكون مطرقة ومشارط المستكبرين موغلة في دمائهم وارواحهم، واذا عرفنا ان الثورة الحسينية بمدلولاتها الواضحة للعيان تنتسب الى الثورة المحمدية العظيمة وتستمد منها زخمها الانساني الخالد، فإننا حين ذاك سنصل بلا ادنى عناء الى عوامل النصر في ثورة الامام الحسين والزخم المتواصل في خلوده وديمومته كمثال مشرف لثورة الانسان ضد الظلم والطغيان مهما كان غلوه وجبروته وعنجهيته
وفق موازين عقول بني البشر فإن الانتصار هو حليف من يمتلك أقوى الأسلحة، والترسانات المدمرة، والعدد الهائل من الجيوش، إلا أنه في موازين ثورة الحسين تتبدل هذه المعادلة ليصبح النصر حليف تلك الفئة القليلة، والتي فرض عليها الحصار في بقعة صغيرة جداً، وأسلحة لا تكاد تسمى بالسلاح أمام ذلك الجيش الذي لم يحدد عدده وسلاحه.
وقف العديد من المحللين والمفكرين العسكريين وراء هذا النصر العظيم يتساءلون فيما بينهم عن سبب النصر، ولكن أخذتهم الحيرة، ولم يصلوا إلى نتيجة حتمية.
ولكن السايرين على نهج الامام الحسين والسالكين طريقه يعون تماماً أسباب وعوامل النصر في تلك المعركة التي لم تتجاوز الساعات، ومن خلال نظرتي المتواضعة أضع أمام القارئ العزيز بعض هذه العوامل، ولكن قبل هذا أود أن ألفت نظر القارئ إلى ملاحظة هامة جداً في سلك الحركات التحريرية وهي: هناك في عالمنا هذا العديد من الحركات التي تجاهد لتحقيق أهدافها، وتقدم العديد من التضحيات ولكنها لا تتقدم خطوات في سبيل تحقيق النصر ويعود السبب الحقيقي في ذلك إلى أن النصر ليس وليد عامل واحد أو استراتيجية واحدة، بل هو وليد العديد من العوامل وينبغي أن تكون تلك العوامل مجتمعة في وقت واحد ومرتبطة بهدى الله، وخلاف هذا فلا نصر.
ومن تلك العوامل
أولاً: التحرك وفق منهجية الله
إن نهضة الحسين (عليه السلام) لم تنطلق كغيرها من النهضات لأجل تحيق المآرب، والطموحات الشخصية، بل انطلقت من مبادئ مقدسة، وشعارات إلهية.
فنهضة الحسين كان شعارها كما قال الإمام (عليه السلام) (الإصلاح) وهو شعار رسالة الأنبياء، وهذا يعني أنها امتداد لرسالة الأنبياء (عليه السلام) إنه منهج واحد، أليس دعوة الأنبياء تسير وفق منهج واحد، وشعار واحد ؟ كذلك ثورة الحسين تسير وفق هذا المنهج.
ومن جانب آخر فإن ثورة الحسين (عليه السلام) انطلقت من الله وفي سبيل الله، كما قال الحسين (عليه السلام)، وهذا يعني أن الحسين خرج دفاعاً عن دين الله، وبعبارة فإن الحسين خرج لنصر الله، ومن يكون هذا شعاره فإن الله تعالى يرزقه النصر، ألم يقل ربنا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ؟! نعم فالنصر هو نصر الله .
ثانياً: القيادة الرشيدة
حين تمتلك الحركة قيادة رشيدة فذلك يعني امتلاكها للنصر، لأن القيادة لها الدور البارز في توجيه، وتنظيم الطاقات، ودفعها نحو الهدف المراد تحقيقه. وهذا ما كان يتمتع به الحسين (عليه السلام)، فقد كان قيادة تمتلك جميع المؤهلات سواء الدينية، أو العسكرية.
و من بين الصفات التي كان يتمتع بها الامام الحسين هي نفاذ البصيرة، أو ما يسمى بمصطلح اليوم تكاملية الرؤية، فالحسين اختار المكان، والزمان، والرجال، وفق خطة، ووفق بصيرة واضحة، ثم أنه نقل هذه الرؤية إلى أصحابه حتى يحثهم على الإقدام في مواجهة العدو.
ثالثاً: الطليعة الرسالية
أنصار الحسين هم أحد الأسباب التي مكنت الثورة من النصر، فهم أولاً رجال الله، ثم أنهم رجال الإسلام، وهم العمود الفقري في الثورة.
و هذه الطليعة كانت تمتاز عن غيرها بصفات منها: الاقدام والشجاعه والاستعداد للتضحية وفهمهم للمشروع القراني الذي تحرك به الحسين حيث أن الامام الحسين أوضح لهم ما سيحدث لهم، وأمرهم بالرجوع إن أحبوا ذلك، وقد تراجع البعض ممن لم يجد في نفسه هذه الصفة (الاقدام والتضحية)، ومن صفاتهم أيضاً التسليم للامام الحسين (عليه السلام) وهذا الحب لا لشخص الحسين وإنما لما يمثله الحسين في هذه الأمة كأمام للمسلمين وناصر للمستضعفين
هذه الطليعة كانت تتنافس فيمن يتقدم أولاً في أرض المعركة، كل واحد منهم كان يريد أن يتقدم، وهذا يعني أنهم اتصفوا بصفة الشجاعة والإقدام.
نعم إن وجود هذه الطليعة قليلة العدد، ولكنها كانت تتدفق إيماناً بالله، وإيماناً بالقضية وتحركا وفق منهجية القران مكن الثورة من النصر.
و من خلال هذا نعي عوامل الخلود لهذه الثورة ويمكن القول أن من عوامل الخلود:
أولاً:
التأييد الإلهي: يقول ربنا (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره)، فرغم محاولات الطمس لهذه الثورة ورغم تجاهل البعض لها أو تزوير التاريخ، أو حذفها منه، إلا أن ذكر الحسين (عليه السلام) وذكر ثورته لا تزال خفاقة في عنان السماء ولازال رجال تلك الثورة يواصلون احياء المشروع حتى زمننا هذا.
ثانيا/البقاء والخلود ببقاء الأهداف المقدسة
حيث أن (الإصلاح، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونصرة المستضعفين ،ومقارعة المستكبرين، ورفعة الراية المحمدية،ودعوة الناس الى الى الله ) كلها تسهم في بقاء وخلود الثورة.
ختاما ليس الحسين (عليه السلام) حكراً على شيعته بل هو مناراً لجميع الثائرين، وجميع المناضلين من أجل الحق والحرية والعدالة، وقد سمعنا عن غاندي محرر الهند الذي صرح بكلمته (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر)، نعم فالحسين معلم الأجيال، ومن ثورته ونهضته تستلهم الدروس والعبر.
و جميعنا ننشاهد وننظر الى الانتصارات التي يحققها المجاهدون في مختلف جبهات مواجهة العدوان السعودي الامريكي على اليمن وامثالهم في مواجهة المخططات الامريكية التكفيرية في لبنان والعراق وسوريا.
اولئك المجاهدين ساروا على مبادئ الامام الحسين، فلا مساومة على القيم والمبادئ، ولا رضوخ للباطل، وخضوع الإغراءات، أو التنازل عن شبر واحد من الأرض، بل ساروا على العزة والكرامة، ساروا على خط الشهادة يتسابقون إلى الجنة.
و هكذا تبقى النهضة الحسينية، شعلة وضاءة، مدرسة في الشهادة والجهاد …
و هكذا تنتصر الثورات المقدسة، وهكذا تخلد ذكرى عاشوراء …
بقلم / هاشم الوادعي