ملاحظة : المقالات لا تعبّر عن رأي الموقع، وإنما تعبّر عن رأي كاتبها
تأملات في القران الكريم
سورة سبأ الشريفة
حيدر الحد راوي
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( قُلْ ) , لهم يا محمد , ( مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) , كالمطر وغيره , ( قُلِ اللَّهُ ) , تضمن النص المبارك الجواب اذ لا جواب غيره , والحقيقة ان الكفار يعلمون الجواب فتلعثمت السنتهم من النطق به , والسبب ان نطقهم به يكون حجة عليهم , لذا لم يجيبوا , فكان الجواب في نفس النص المبارك , ( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى ) , احد الفريقين انا او انتم , ( هُدًى ) , هداية على طريق الحق , ( أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) , او في التيه والبعد عن ذلك الطريق .
قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( قُلْ ) , لهم يا محمد , ( لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا ) , عن ذنوبنا , ( وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) , ولا نسأل او نؤاخذ بما تعملون من معاصي , " هذا أدخل في الأنصاف وأبلغ في الأخبات حيث أسند الأجرام إلى أنفسهم والعمل إلى المخاطبين" – تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني - .
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ
تستمر الآية الكريمة مبينة ( قُلْ ) , لهم يا محمد , ( يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ) , يوم القيامة , ( ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ ) , يفصل بين المؤمنين ويدخلهم الجنة وبين الكفار فيدخلهم النار , ( وَهُوَ الْفَتَّاحُ ) , وهو جل وعلا الحاكم الفصل , ( الْعَلِيمُ ) , بما يقضي به .
قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُم بِهِ شُرَكَاء كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
تستمر الآية الكريمة ( قُلْ ) , لهم يا محمد , ( أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُم بِهِ شُرَكَاء ) , أروني بأي استحقاق ألحقتم تلك الاصنام ونسبتم لها الشرك في الخلق و العبادة , ( كَلَّا ) , ردعا لهم عن الحاق الشريك به جل وعلا , ( بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ ) , الموصوف بالغلبة , ( الْحَكِيمُ ) , في تدبير الخلق , من خلال ختام الآية الكريمة ( بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ردا رادعا على المشركين , كيف تنسبون له جل وعلا شريكا "شركاء" لا يتصف بالعزة ولا بالحكمة , بهذا القدر فكروا وتدبروا ايها المشركون , واقع الحال , النص المبارك لا يخاطب مشركي الزمان الاول , بل ايضا يخاطب مشركي كل العصور , فكل من اتخذ الها غير الله جل وعلا يكون معنيا بالنص المبارك , كل اِله غيره جل وعلا يفتقر الى العزة والحكمة , ما يجرده من صفة الالوهية , حتى التيارات الفكرية الحديثة التي تنسب الخلق والتدبير الى الطبيعة ذاتها , نافين وجود الله الخالق المدبر , مهما كانت تبريراتهم , الا ان الطبيعة ذاتها لا تملك لا العزة ولا الحكمة .
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد "ص واله" ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ ) , رسالة عامة للناس , كافية وافية , مغنية اياهم عن كل شيء , متكاملة لا نقص فيها , لا يحتاجون معها الى غيرها , الدين الاسلامي دين واحد متكامل , لا يحتاج معه الى تبديل او تعديل , يناسب كل زمان , ويلائم كل مكان , الا ان عدم استيعاب احكامه ودروسه ادى الى تشعبه واختلاف اهله , وتصدى للفتيا من ليس لها اهل , فمن الطبيعي ان يظهر عجز هؤلاء عن مجاراة متطلبات العصر الحديث , بالنتيجة يكون الاسلام متكامل لا نقص فيه ولا عيب , الا ان العيوب ممن نسب نفسه الى الاسلام وتصدى الى مكان ليس له اهل , ( بَشِيراً ) , للمؤمنين بالجنة , ( وَنَذِيراً ) , للكافرين بالنار , ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) , لا يعلمون ذلك , فيحملهم جهلهم على عدم الايمان بك .
(عن الصادق عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى أعطى محمدا صلى الله عليه وآله شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى على نبينا وآله وعليهم السلام إلى أن قال وأرسله كافة إلى الأبيض والأسود والجن والأنس .
عن السجاد عليه السلام إن أبا طالب سأل النبي صلى الله عليه وآله يا ابن أخ إلى الناس كافة ارسلت أم إلى قومك خاصة قال لا بل إلى الناس ارسلت كافة الأبيض والأسود والعربي والعجمي والذي نفسي بيده لأدعونّ إلى هذا الأمر الأبيض والأسود من على رؤوس الجبال ومن في لجج البحار ولأدعونّ السنة فارس والروم ) . " تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
تروي الآية الكريمة على لسان الكفار ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ ) , بيوم القيامة وجمع الناس فيه وحلول العذاب على الكفار والثواب للمؤمنين , ( إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) , ان كنتم صادقين في وعدكم لنا بالجنة والثواب ان آمنا , ووعيدكم لنا بالنار والعقاب ان كفرنا , خطابهم كان موجها له "ص واله" ومن معه من المؤمنين .
قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ
تجيب الآية الكريمة على سؤالهم ( قُل ) , لهم يا محمد , ( لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ ) , آتيكم لا محالة , ( لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ ) , لا تتقدمون عليه ولا تتأخرون عنه ولو بالمقدار القليل .
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ
تروي الآية الكريمة على لسان الكفار ايضا ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) , لن نؤمن بالقرآن ولا بالكتب التي قبله , ( وَلَوْ تَرَى ) , يا محمد , ( إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ) , للحساب , ( يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ ) , يتحاورون فيما بينهم , يرجع كلا منهم التهم والشتم واللوم الى بعض , ( يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ) , يقول الاتباع للرؤساء , ( لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ) , لو لا تضليلكم لنا وصدكم ايانا عن الايمان لكنا مؤمنين بالله تعالى ورسوله .
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ
تستمر الآية الكريمة بنقل الحوار ( قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ) , يأتي الرد من الرؤساء الى الاتباع , ( أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم ) , سؤال تعجب , ( بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ ) , لم نصدكم عن الايمان ولم نمنعكم عنه , لكنكم انتم من اعرض عنه وكنتم مجرمين في انفسكم .
وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
يستمر الحوار في الآية الكريمة ( وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ) , قال الاتباع للرؤساء , ( بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) , لم يكن اجرامنا الصاد عن الايمان , بل مكركم وتدبيركم في الليل والنهار لنا وبنا , حتى أوقعتمونا بالتهلكة , ( إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ ) , حيث امرتونا ان نكفر بالله تعالى , ( وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً ) , وان نجعل له شركاء يشفعوا لنا عنده , ( وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ) , اضمر كلا الفريقين الندامة عن الضلال والاضلال , اخفاها كل منهم عن رفيقه , خشية التعيير , وذلك لما عاينوا العذاب , ( وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) , اذلالا لهم , ان وضعت الاغلال في اعناقهم وسيقوا الى النار , ( هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) , لا يجازون ولا يفعل بهم الا بما كانوا يعملون في الدنيا , فلا ظلم يقع عليهم ولا اجحاف .
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ
تستمر الآية الكريمة مسلية الرسول الكريم محمد "ص واله" ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ ) , كلما جاء لقرية نذيرا لهم من العذاب , ( إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا ) , الا وتصدى رؤساءها المترفون له بالقول , ( إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ) , ان ما جئتهم به ايها الرسل "المنذرين" نحن به كافرون جاحدون .