(واش) وكالة أنباء الشباب (واش) وكالة أنباء الشباب

عينٌ على زيارة الأربعين: قراءة المثقفين للحدث والصورة

عينٌ على زيارة الأربعين: قراءة المثقفين للحدث والصورة

عينٌ على زيارة الأربعين: قراءة المثقفين للحدث والصورة

رأى عدد من المثقفين العراقيين والعرب أن المليونية الأربعينية في كربلاء تمثل اليوم صورة حية لتوق الإنسانية إلى الحرية ورفض الظلم، وشغفها بالبطل المصلح والفادي المنادي بحقوقها "الحسين".

وقد سجل استطلاعي لآرائهم جملة من الالتفاتات المهمة والنقاط الجديرة بالقراءة والتأمل.. فليكمموها من أرباب الثقافة كما هي:

الدكتور أحمد راسم النفيس (كاتب وناشط مصري):

إنه مشهد يقترن فيه الوعي والبصيرة مع الشجاعة والتضحية بالنفس وهما أمران إذا اجتمعا لدى الجماهير يشكلان سلاحا لا يقل مضاء عن السلاح النووي بل هما أمضى منه لأن السلاح النووي سلاح تدمير شامل وخراب، في حين أن ثنائي (البصيرة والشجاعة) هما سلاح بناء ونماء.

بعد أربعة عشر قرن من الزمان لم يعد الإمام الحسين وحيدا فريدا في ثلة قليلة من الأهل والأصحاب بل أصبح له جيوش مليونية تهتف: لبيك يا حسين، امض بنا حيث شئت ولو إلى عنان السماء.

بعد أربعة شعر قرن أصبح يوم العاشر من محرم ويوم العشرين من صفر يوما يحيي ذكرى الشاهد والشهيد (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ).

محمد عبد الجبار الشبوط (رئيس شبكة الإعلام العراقي سابقاً):

الطاقة الروحية التي تدفع الناس الى زيارة الأربعين يمكن أن تدفعهم الى نشاطات إيجابية اخرى.. الذاهبون مشيا لزيارة الامام الحسين والقائمون على خدمتهم يجسدون مفهوم "المواطن الفعّال"..

لنترك قليلا ما في نفسي ونفسك من ملاحظات عن ممارسات فردية او جماعية تجري هنا وهناك باسم الامام الحسين في زيارة الأربعين لان استحضار هذه الملاحظات دائما يحمل معه خطر حرمان الناظر من روية المعنى الايجابي او المعاني الإيجابية لزيارة الأربعين.

عملياً. نحن نشهد ولادة وتكون مظاهر اجتماعية بدوافع دينية في هذه المناسبة سنويا. ما نشهده هو ظواهر "اجتماعية- دينية"، وككل الظواهر الاجتماعية فإنها قد تنطوي على سلبيات، تقابلها ايجابيات، وهذا ما يفرض علينا ان ندرسها على هذا الاساس بحثا لا عن السلبيات، وانما عن الايجابيات، لأننا في نهاية المطاف معنيون اجتماعيا ودينيا بالاستفادة من هذا الايجابيات.

يجري سنويا اتساع وتعميق ارتباط الناس بحدث تاريخي فريد ذي دلالات سياسية ودينية واجتماعية عميقة ومهمة مثل: طلب الاصلاح، ومثلي لا يبايع مثله، هيهات منا الذلة، الخ. وهذا امر نافع اجتماعيا.

كما يجري سنويا اتساع ظاهرة التسابق في فعل الخيرات للآخرين، من بذل المال بلا تحفظ من اجل اطعام الناس وإسكانهم وتوفير الخدمات المختلفة وتقديم اسباب الراحة لهم وهم يحثون الخطى مشيا نحو مرقد الامام الحسين.

يجسد هذان الأمران مفهومين في غاية الأهمية وهما: الإيمان بقضية عادلة، والتطوع من اجل الخير العام. ولا يمكن لأي مجتمع ان يتطور ويتقدم بدون هذين الامرين. بل هما افضل ما يمكن ان يقدمه مجتمع ما لنفسه وللعالم من حوله.

ولهذا أقول: إن زيارة الأربعين، بكل ومختلف ما تنطوي عنه من ممارسات وأفعال، تخرج الى العلن افضل من في مجتمع المؤمنين من صفات خيرة، وتفعلها، وتراكمها، ما يشكل طاقة مجتمعية هائلة قادرة على فعل الكثير الكثير لصالح المجتمع ككل. ما عليكم الا استثمار هذه الطاقة بشكل يسهم في بناء حاضر افضل.

بلحسن اليحياوي (أديب وناشط تونسي):

هل يمكن عد خطوات "المشاية" في مسيرة الاربعين؟ خطر هذا السؤال بذهني وانا أطل على جحافل العاشقين الزاحفين نحو قبلة الهوى ومهوى القلوب من شاشة التلفاز. ما المغزى وما المعنى وما الدافع وما كل هذا الجهد المبذول؟ كل هذه الأسئلة لا يجيب عنها إلا أولئك الذين يؤثثون الطريق الى كربلاء بأسمى معاني الجود والسخاء.. نساء رجال أطفال، فأباريق الشاي وصواني الفاكهة وصحون الأرز وقوارير المياه وأصوات الداعين بل المتوسلين بالمشاية في طريق الحسين أن يجلسوا الى موائدهم ويباركوا مجالسهم وفي الطريق أيضا في كل القرى تفتح البيوت أبوابها تحتضن الزائرين.

كل الأسئلة لا يجيب عنها عقل بارد رياضي وإنما يجيب عنها فؤاد يجيش بحب الحسين.. ومن هذا الحسين؟ إنه قبلة الثائرين وجرح ينزف منذ أبد الآبدين وعطش لا يسقيه بكاء الحافين بمرقده ونداء الناظرين الى مسجده ونشيد الواله بذكره وأبيه وأخيه وجده وبنيه.. حسين، حسين، حسين، ولا ينقطع النفس ولا تمل الألسن ولا تكل الأيدي الداقة على الصدور لوعة وعشقا وحبا وولها. أسئلة الحسين لا يمكن للغات الإجابة عنها. أسئلة الحسين ستبقى إلى الأبد.. صرخة في وجه الظلم ولوعة في قلوب العاشقين ووعدا ينير ظلمة الآملين وعهدا على لسان المؤمنين وصورة راسخة أبدا في أذهان ووجدان وعقول الثقلين يؤثثها ملايين الزائرين وشعب الرافدين.

الدكتور علي شمخي (أستاذ جامعي وإعلامي):

هذا الفيض الإسلامي الذي تشهده كربلاء يتدفق من كل بقاع العالم ويحمل مدلولات انسانية بالتضامن مع نداء ابي الأحرار الحسين عليه السلام. وقد أصبحت أربعينية الإمام الحسين سفراً رائعاً لإعلان الولاء للرسالة المحمدية التي لولا دماء الحسين الشهيد ما كان لها ان تتوهج من جديد وتقاوم الطغيان والفساد والظلم.

يكفي أن نقول ونحن نشاهد هذه الحشود المليونية إن الحسين وحد هذه الأمة وهو اليوم رمز إنساني ومنارة للشرق والغرب حاضرا بأفكاره وسيرته حيا يرزق بشهادته في سبيل الله.

محمد الميالي (كاتب وشاعر):

كربلاء بوابة فتح آت.. فتح بعين الله.. بجمال يوسف.. وأسرار فتية الكهف.. وبرد وسلام نار ابراهيم.. وتراتيل عيسى في مهده.. وطوفان نوح.. فتح بين شفرتي ذي الفقار.. وتكبيرة الانتصار فتح بين كفي أبي الفضل وقربة اﻹرواء.. فتح شعاره هيهات منا الذلة.. فتح (لا) الرفض وصلاة الفرض تحت ظلال النبال.. كتب بوريد عبد الله الرضيع الظامئ وختم بدم وريد سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين عليه السلام ليخط دستور الحياة الدنيا واﻵخرة على جبين السماء. ها هو من كربلاء من القصر الملكي العالمي يعلن البيان رقم واحد لبسط السلام ما بين مشرق اﻷرض ومغربها. فحق على اهل اﻷرض ان تهتدي بهدى اهل السماء وتستنير بمصباح الهدى وتركب في سفينة النجاة.. الطوفان قادم فويل ﻷعداء اﻹنسانية أينما وجدوا. وطوبى لعشاق الحرية وطلابها. الحسين عليه السلام قادم بفتحه الموعود. والأربعينية المليونية هذه تجسد عالميته الموعودة.

الدكتور عبد عون المسعودي (أستاذ جامعي):

الزيارة الأربعينية تعد من أهم الشعائر الدينية الحسينية المقدسة من حيث آثارها وحجمها وتفاصيلها فهي مناسبة إنسانية يشترك فيها الناس باختلاف دياناتهم وطوائهم معتبرين أن الحسين عليه السلام رمزا ثوريا للتحرر من الطغيان. كما أنها من وجه علم النفس تجعل من الزائر يشعر بأنه متصل مع الله وبالتالي يشعر بالأمان وتجعل من الزائر يشعر بالانتماء لهذا الكم الهائل من الناس وهنا سيتولد لديه الشعور بالقوة والتوافق. وتنمي الكثير من القيم الإيجابية كالكرم والتسامح والمحبة والتضحية من أجل الآخر وغيرها.

الدكتورة إسراء شاكر (أستاذة جامعية):

صورة رغم الألم الذي يعتريك حين تسترجعها في مخيلتك إلا انها تمنحك قوة تنفذ الى العقل والروح.. صورة تعطيك معنى واحد يفنى الجسد وتبقى الروح الحقيقية والمؤمنة والصادقة لتمتد كشجرة اصلها ثابت لتمتد الى سماء الخلد والنور.. صورة رجل أعطى في سبيل الحق ونصرة المظلوم نفسه وأهله فداء.. ظمأ الحسين الذي نرتوي منه الى الآن نهر جار يمدنا بالخير والنماء بحب الله وحب الرسول المصطفى وال بيته الأطهار "عبد الله الطفل الرضيع اول روافده.. والعباس سيله الجارف ووو.. لينتهي مصبه عند العقيلة زينب سلام الله عليها لتكون محيط العلم والحق والنصر بعد السبي والانكسار بوفاة الاهل.. اربعينية الامام الحسين قاموس جامع لكل المفردات التي نحن بحاجة اليها في وقتنا الراهن لننهض بوطنٍ وشعب وارض اندثرت لولا وجود روح الحسين واهله واصحابه فيها.. هذا ما استحضرته في هذه اللحظة واعتذر عن قصر نظر كلماتي فقامة الحسين اكبر واعلى من بصري وبصيرتي.

محمد الدريني (ناشط مصري):

الأربعين العظيمة هذا هو اسم الفيلم العالمي الذى اخترته عنوانا لكلمتي والذى تبلغ تكاليفه (٢٠٠ مليون دولار) للمخرجة الأمريكية كاثرين إيجلو بعدما احتلت فاجعة كربلاء مساحة من ضميرها مثلها مثل فريا ستارك التي قالت: إن مقتل الحسين من القصص التي لا أستطيع قراءتها دون ان ينتابني البكاء.

أما جلهارد كونسلمان فقال في موسوعته تعليقا على فعاليات الاربعين: إن بإمكانها أن تهز العالم فيما لو سلكت طريقها الصحيح. واعتقد ان ذلك سوف يكون من بين ادوات الطالب بدم المقتول ظمآنا في كربلاء ليهز العالم حين تطأطأ له كل الرؤوس.

الدكتور محمد الطائي (أستاذ جامعي):

ربما ستتجاوز كلمتي حدودها لتسجل ما يجيش في صدري اتجاه هذا الحدث العالمي بمقالة تحت عنوان (الزيارة الاربعينية شعيرة أم مشروع حضارة). فأقول: قبل ما يقرب من الف واربعمائة عام وتحديدا في يوم الاربعين لشهادة الامام الحسين عليه السلام، وصلت صعيد كربلاء، قافلة العز والاباء لتسجل المشهد الاخير لأعظم واقعة عرفها التاريخ البشري، وهي تحمل بين انفاسها جبال الالام الاحزان التي كتب الله لها الخلود لتظل حية حاضرة في نفوس الملايين من محبي الامام الحسين عليه السلام عبر التاريخ.. لتكون حاضرة اليوم وهي تتجسد في تلك الحشود المليونية التي عبرت حدود الجغرافية المكانية والزمانية والحضارية.. فالزيارة الاربعينية اصبحت أنموذجا حيا للتلاقح الفكري والالتقاء الحضاري واضحت مثالا حيا للتعايش السلمي وتطبيقا ميدانيا للتكافل الاجتماعي ولا يبالغ المتتبع لأحداث تلك الزيارة اذا قطع بانه لا يوجد انموذج عبر التاريخ يجسد المعاني الانسانية كالزيارة الاربعينية. لذلك ينبغي على عالم اليوم الذي يعد الارهاب الفكري اكثر واخطر ما يهدد الوجود الانساني في وقتنا المعاصر.